الدرس الثالث من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي
الدرس الثالث من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي
الدرس الثالث من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي لمحمد عبد الغني الباجقني رحمه الله تعالى شرح الشيخ الدكتور #غيث_محمود_الفاخري رحمه الله تعالى أُلقي هذا الدرس بمسجد نور الرحمن بمدينة #بنغازي 15|11|2008 ثم إن الدليل ينقسم إلى أصل، وهو الكتاب، والسنة، والاستصحاب، وإلى لازم عن أصل أي: ناشئ عنه وهو القياس . والدليل الأصلي إما أن يكون نقلياً، وهو الكتاب، والسنة، وإما أن يكون عقليـاً، وهـو الاستصحاب. الدليل الأصلي النقلي: يشترط في الدليل الأصلي النقلي أن يكون صحيح السند إلى الشارع، متضح الدلالة على الحكم المقصود، مستمر الحكم غير منسوخ، راجحاً على كل ما يعارضه. فهذه شروط أربعة يجب اجتماعها فيه ليصح الاستدلال به. سند الدليل الأصلي النقلي: إن الدليل الأصلي النقلي - وهو ما كان من الكتاب أو السنة - إما أن يكون نقله بالتواتر أو بخبر الآحاد. التواتـر: التواتر هو: خبر جماعة عن جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، وهو شرط في القرآن، وليس شرطاً في السنة، فإن القرآن لا بد من تواتره، فإن لم يكن متواتراً فليس بقرآن؛ لذلك يعترض المالكية على الشافعية في احتجاجهم على أن خمس رضعات هي التي تحرﱢم، وليس أقلّ منها بما رواه مالك ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت: (( كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرﱢمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يقـرأ من القرآن)) . فيقولون لهم إنه احتجاج بما سُمي قرآناً وهو ليس بقرآن؛ لأنه غير متواتر، فلا تقوم به حجة، فيقول الشافعية: إن التواتر شرط في التلاوة لا في الحكم، وإننا حين احتججنا بقول عائشة لم نقصد أنه قرآن يتلى بل خبر مرفوع يبين الحدﱠ الأدنى من الرضاع المحرﱢم الذي جاء مجملاً في القرآن، فهو مما نسخت تلاوته وبقي حكمه. ومنه استدلال الحنفية على أن كفارة اليمين بصيام ثلاثة أيام من شروطها أن تكون متتابعــة فإن فُرﱢقت لم تجزىء لقراءة عبد الله بن مسعود (( فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) فنقول لهم ليس من شرطها أن تكون متتابعة إذ أن كلمة ((متتابعات)) زائدة ليست من القرآن لأنها غير متواترة. واستدلالهم على أن الفيئة في الإيلاء محلها الأربعة أشهر لا بعدها بقراءة أبيّ بن كعب ((فإن فاؤوا فيهنّ فإن الله غفور رحيم)) فنقول لهم: إنما الفيئة بعد تمام الأشهر الأربعة، وكلمة ((فيهن)) زائدة ليست من القرآن؛ لأنها لم تتواتر، فيجيبوننا بأن استدلالهم بهاتين الكلمتين الزائدتين لا لأنهما قرآن؛ بل لأنهما من الأخبار المعتمدة عندهم. والتواتر شرط في السّنة أيضاً إذا كانت رافعة لمقتضى قرآني كاحتجاج الجمهور في المسح على الخفين بالأخبار الكثيرة الواردة عن الصحابة فقد نُقل المسح قولاً وفعلاً عن نحو سبعين منهم، فيقـول المخالفون: إنها أخبار آحاد فلا ترفع ما اقتضاه القرآن من وجوب غسل الرجلين في الوضوء، فيجيب الجمهور بأن تلك الأخبار وإن لم يتواتر كل واحد منها منفرداً فإن ما تضمنه مجموعها من جواز المسح على الخفين متواتر، وهذا وأمثاله هو المسمى بالتواتر المعنوي، كجود حاتم الطائي مثلاً، فإنه لم ُينقل إلينا عنه واقعة معينة متواترة اقتضت وصفه بالجود، وإنما نقلت إلينا وقائع متعـددة كل واحدة منها بخبر الواحد تضمنت بمجموعها وصفـاً مشتركـا بينها وهو جود حاتم. خبـر الآحـاد خبـر الآحاد هـو خبر أفراد لم يبلغوا في العـدد جماعات المتواتر، ويتعلق الاعتراض على سنده من جهتين: جهـة إجمالية، وجهة تفصيليـة. الجهة الإجمالية: اختلف الأصوليون في قبول أخبار الآحاد جملة، فإذا استدل المستدل على حكم من الأحكام بخبر الآحاد يعارضه المخالف إما بعدم تسليمه بصحة الخبر، وإما بـوروده فيما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة، وإما بغير ذلك من التعليلات الأصولية التي يقول بها المخالف كما إذا احتج فقهاؤنا على اشتراط الولي في النكاح بقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا نكاحَ إلا بولي ))، وعلى انتقاض الوضوء بمس الذكر بقوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا مسَّ أحدكم ذكره فليتوضأ ))، وعلى تحريم الأنبذة المسكرة بقوله صلى الله عليه وسلم: (( كلﱡ مُسكر حرام ))، فيقول المخالفون في هذه المسائل الثلاث: لا نسلم بصحة هذه الأحاديث، فقد قال ابن معين: ثلاثـة لا يصح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء: (( لا نكاحَ إلا بولي، وإذا مسﱠ أحدُكم ذكره فليتوضأ، وكل مسكر حرام )) فنجيبهـم بـأن هذا القول على فرض صحة نسبتـه إلى ابن معين لا يُردّ به الحديث إذا جاء على شروطه؛ لأن سبب الرد لم يبينه ابن معين، ولعل له فيه مذهباً خاصاً لا يوافقه عليه غيره من أئمة الحديث والفقه، وقد رووا هذه الأحاديث الثلاثة بأسانيد صحيحة لا تترك مجالاً للتردد في التسليم بصحتها وقوة الاستدلال بها. وكما إذا احتج الشافعية على أن المتبايعين لهما الخيار في إمضاء البيع وفسخه ما داما في المجلس بقولـه صلى الله عليه وسلم (( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ))، فيقول لهم الحنفية هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة فينبغي أن يكثر ناقلوه ويتواتر وما لم يتواتر فهو غير مقبول، فيقول لهم الشافعيـة والمالكية أيضاً: إن خبر الواحد مقبول عندنا مطلقاً إذا جاء على شروطه، وإنما لم نقل نحن المالكية بخيار المجلس لأن الافتراق عندنا يتحقق بالقول أي بالإيجاب والقبول أو بالفعل الدال عليهما كما جرى عليه العمل في المدينة، والعمل عندنا مرجح على الخبر. الجهة التفصيلية: يشترط لصحة السند أن يكون مقبول الرواة، ومتصلاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
معلومات عن المادة
- الزمن:59:58
- القسم:أصول الفقه
- وسوم:
- غيث الفاخري
- قناة التناصح
- بنغازي