الدرس الرابع من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي

الدرس الرابع من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي

الدرس الرابع من سلسلة دروس: المدخل إلى أصول الفقه المالكي لمحمد عبد الغني الباجقني رحمه الله تعالى شرح الشيخ الدكتور #غيث_محمود_الفاخري رحمه الله تعالى أُلقي هذا الدرس بمسجد نور الرحمن بمدينة #بنغازي 22|11|2008 الجهة التفصيلية : يشترط لصحة السند أن يكون مقبول الرواة، ومتصلاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويشترط لقبول الراوي أن يكون عدلاً وضابطاً. فالعـدل هو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وتثبت عدالته باشتهاره بحسن الحال وبالثناء الجميل عليه أو بتعديل الأئمة له ولو بروايتهم عنه. وتقدح في عدالة الراوي أمور بعضها يتعلق به وبعضها يتعلق بالحديث نفسـه. فمما يتعلق بالراوي الاعتراض على عدالته بأنه متروك الحديث أو وضّاع أو مطعون في دينه أو مجهول العدالة أو بغير ذلك من القوادح... مثال الأول اعتراض الشافعية على استدلالنا برواية خالد بن الياس بإسناده عن أبي هريرة: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه)) فقلنـا بعدم مشروعية جلسة الاستراحة عند النهوض إلى الركعة الثانية والرابعة وخالـد متـروك الحديث ؛ فنجيبهم بـأن الحديث الذي استدللنـا به على عدم مشروعية هذه الهيئة لم نروه من طريق خالد بإسناده عن أبي هريرة بـل رويناه بأسانيـد أخرى عن ابن مسعـود وابن عمر وابن عباس وغيرهم كما استدللنـا أيضاً على عدم مشروعيتها بما رواه ابن المنـذر عن النعمان بن عياش قال: (( أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجـدة في أول ركعة وفي الثالثـة قـام كما هو ولم يجلس)). ومثال الثاني اعتراضنا على استـدلال الحنفية الذين يعـدّون داخل الفم والأنف من ظاهر البدن المفروض غسله على وجوب المضمضة والاستنشـاق في الغُسل من الجنابـة بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنـه قال : ((المضمضة والاستنشاق فريضتان في الغسل من الجنابة)) لأن هذا الحديث لـم يُروَ إلا من طريق بركة بن محمـد وهـو وضّاع كما قال الدارقطني، فيجيبوننـا بأنهم لم يستدلوا بهذا الخبر بل بما رواه الشيخان وأصحـاب السنن عن ميمونـة في وصف غسله صلى الله عليه وسلم وفيه المضمضة والاستنشـاق واعتبروه مبيناً لمجمل قولـه تعالى: (( وإن كنتـم جنيـاً فاطّهروا)) فنقول لهم حينئذ أن ذكر المضمضة والاستنشاق في هذا الحديث لا يـدل على وجوبهما بل على ندبهما (سنيتهما) كما هما في الوضوء المنفرد عن الغسل. ومثال الثالث اعتراض الشافعية على استدلالنا بقوله صلى الله عليه وسلم ((من كان له إمام فقـراءة الإمام له قـراءة)) فقلنـا بسقـوط القـراءة عن المأمـوم بأن هذا الحديث لم يروه مرفوعاً إلا جابر الجعفي وهو يقـول بالرﱠجعة فلا يُحتج بما ينفـرد بروايته، فنجيبهم بأننا نـروي هذا الحديث من غير طريق جابر الجعفي، نرويه عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وشعبة وشَريـك وغيرهم من الثقـات عن موسى بن أبي عائشـة عن عبد الله بن شداد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نأخذ بالحديـث المرسـل إذا كـان مرسلـه ثقة وليس في سنـده علة تضعفـه. ونـروي أيضاً عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئـل هل يقـرأ أحد خلـف الإمام قـال: إذا صلى أحدكـم خلـف الإمام فحسبه قـراءة الإمام وإذا صلى وحده فليقرأ. ومثال الرابع احتجاج فقهائنا على جواز استقبال القبلة أثناء قضاء الحاجة عند وجود ساتر بينه وبينها بما روى خالد بن أبي الصلت بإسناده عن عائشة قالت: ((ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناساً يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال أوقد فعلوها حولـوا مقعدتي قِبلَ القبلة))، فيقول الحنفية: خالد بن أبي الصلت مجهول لا يعرف من هو والمجهول لا يحتج بروايته وتبقى حجتنا قائمة على تحريم استقبالها مطلقاً بما جاء في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرﱢقوا أو غرّبوا))، فنقول لهم إن الحديث الذي رواه خالد بن أبي الصلت بإسناده عن عائشة رواه عنه خالد الحذاء وهو ثقة والثقة لا يروي إلا عن عدل معروف عنده على الأقل، وقد روى عن خالد بن أبي الصلت مبارك بن فضالة وواصل مولى أبي عيينة وغيرهما. وأما النهي عن استقبالها واستدبارها الوارد في حديث أبي أيوب فإنه محمول عليهما في الفضاء بلا ساتر ويدل عليه ما رواه أبوداود والحاكم عن مروان الأصفرقال ((رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك ؟ فقال : بلى إنما نُهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس)). ومما يتعلق بالحديث نفسه إنكار الأصل وهو المروي عنه روايةَ الفرع أي رواية الراوي كما إذا احتج فقهاؤنا على افتقار النكاح إلى وليّ بقوله صلى الله عليه وسلم ((أيما امـرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحهـا باطل فنكاحها باطل))، فيقول الحنفية هذا الحديث يرويه ابن جُريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة، وقد قال ابن جريج سألت عنه ابن شهاب حين لقيته فقال لا أعرفه والراوي إذا أنكر ما روي عنه لم يُحتج به كالشهادة، فنجيبهم بأن الأصل لم يصرح بتكذيب الفرع فإذا روى عنه العدل وجب قبول ما روى ولا يضر نسيان المروي عنه وإلا لزم تكذيب العدل وفي ذلك من التناقض ما لا يخفى. ومنه انفراد العدل بزيادة في الحديث لم ترد في روايات الآخرين كما إذا احتج فقهاؤنا على أن زكاة الحرث يعتبر فيها النصاب بخمسة أوسُق. بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرياً العشر وفيما سُقي بالنضج نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسُق)) فيقول الحنفية إن جملة (( إذا بلغ خمسة أوسُق)) زيادة في هذا الحديث لأن الجماعة الذين رووه لم يذكروها فأوجب ذلك شكاً في صحتها ويبقى الحديث على عمومه فتجب الزكاة في الكثير والقليل من الحرث دون اعتبار لنصاب، فيجيبهم فقهاؤنا بأن روايات الجماعة لا تتعارض مع هذه الزيادة حكماً لوجودها في حديث صحيح آخر يخصص عموم حديث الجماعة فقد قال عليـه الصـلاة والسلام: (( ليس فيما دون خمس ذَوْد صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسُق صدقة)) وبذلك ينتفي كل شك في صحتها وفي وجوب الأخذ بها. الضابط: هو المتقن للرواية وذلك بأن يثبت في نفسه ما يرويه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء أو يثبته في صحف يصونها ليؤديه منها. ويعرف ضبطه بمقابلة حديثه بحديث الثقات المتقنين.

معلومات عن المادة

  • الزمن:1:01:50
  • القسم:أصول الفقه
    • وسوم:
    • غيث الفاخري
    • بنغازي